الرئيسية / فن ومنوعات / 40 عام من الحب والوفاء

40 عام من الحب والوفاء

قبل ثلاثة أعوام فقط عرفت هذا الرجل، إنه أحد أهم أساتذة طب الأشعة النبغاء فى عالمنا العربى، التقيته قطعا باعتباره أرمل الفنانة الكبيرة فاتن حمامة.

ليلة وداعها كان معها، يتسامران فى الصالون، وفى لحظة صعدت الروح إلى بارئها، فحملها إلى غرفة النوم، لتغمض عينيها وصورته تسكن عينيها، ونفذ وصيتها بألا يقام لها سرادق عزاء، ولأنه أيضا بطبعه عزوف عن الإعلام، فلقد وجد فاتن وكأنها تنفذ وصيته وليس فقط وصيتها، ووقعت الصحافة المصرية فى خطأ فادح وفاضح، وانتقل بالضرورة للمواقع والصحافة العربية، وذلك عندما نشرت صورة لرجل يبكى أمام النعش، وكتبت تحت الصورة زوج فاتن حمامة ودموعه على حبيبة العمر.

ولا أدرى كيف واتتهم الشجاعة لكى نصل لهذه الدرجة من الجرأة بالإشارة المباشرة لاسم د. محمد عبدالوهاب وهم ليسوا متأكدين أنه هو الذى يبكى، نفس الأقلام تكتشف أنها نشرت أن عمر لشريف قال لهم إنه لم يستطع الذهاب للصلاة عليها فى الجامع، لأنه كان يخشى من الزحام.

رغم أنه عند رحيل عمر أشار طارق عمر الشريف إلى أنه لم يكن يعلم أن فاتن رحلت بسبب إصابته بألزهايمر، ولهذا كثيرا ما كان يسأل طارق فى أيامه الأخيرة، عن صحة فاتن. ظل د. محمد عبدالوهاب مخلصا لفاتن، فلقد عاشت نصف عمرها مع الزوج الثالث، بعد المخرج عزالدين ذوالفقار ثم عمر الشريف.

أربعة عقود من الزمان هذا يكفى جدا للدلالة على أن الحب والتفاهم كانا هما السياج الذى حمى تلك الرابطة المقدسة.

كتبت مرة أن فاتن حمامة عاشت بين وهابين كبيرين، كنت أقصد أن عينها تفتحت أمام الكاميرا لتجد نفسها تقف أمام الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب، وهى لم تبلغ بعد الثامنة من عمرها فى فيلم (يوم سعيد) للمخرج محمد كريم، الذى اختارها من بين عشرات من الأطفال لأداء دور الطفلة (أنيسة)، بينما فاتن وبراءة وصدق الأطفال تنضح فى عينيها، عندما وجدت المخرج يعيد أكثر من مرة تصوير اللقطات، بسبب أن عبدالوهاب كلما رآها لم يتمالك نفسه من الضحك، فطالبت المخرج بضرورة تغيير هذا الممثل بآخر، يستطيع التحكم فى مشاعره، فكان عبدالوهاب يضحك أكثر. هذه الطفلة اللهلوبة ظلت تشغل مساحة عميقة فى قلوب الجماهير، وصارت سيدة وأما وزوجة وجدة، ولم تنل حياتها الشخصية سوى احترام الناس، وأكملت حياتها مع هذا الرجل، وأتذكر كم كان متعاونا معى فى كل ما طلبته من صور أو مادة أرشيفية وأنا أعد كتابى الذى أطلقت عليه (فاتن). مؤخرا قبل نحو شهر عند هدم سينما فاتن حمامة، بمجرد نشر مقالى فى تلك المساحة، تلقيت تليفونا من الدكتور الكبير محمد عبدالوهاب وهى آخر مرة أستمع فيها لصوته، قال لى (مع الأسف إننا نفرط فى القوى الناعمة المصرية، والأمر مؤكد لا يخص فاتن فقط ولكن الدائرة تتسع لتشمل العديد من الأمور، يجب أن نستيقظ وندرك الخطر وإلا سنجد أنفسنا خارج الزمن). قبل أيام عندما تناقلت الصحف وبعض البرامج والمواقع والفضائيات خبر زواجه من المذيعة المشهورة لمجرد الشوشرة وإلهاء الناس بأى شىء، لم أتصل لأسأله، كنت موقنا أن صُناع الشائعة سيعتبرون أن تكذيب الشائعة جزء من الترويج لبضاعتهم المسمومة، ولكن الدكتور عبدالوهاب نشر فى الأهرام، عن طريق الكاتبة الصحفية زينب عبدالرازق التى سبق أن نشرت كتابا عن فاتن حمامة، صورة بجوار تمثال لفاتن كان يعده منذ عام وقرر إهداءه لوزارة الثقافة لكى يوضع فى دار الأوبرا المصرية.

وهو ما أتمنى أن تحققه د. إيناس عبدالدايم، لنرى تمثال فاتن بجوار سيد درويش وعبدالوهاب وفريد وحليم، ويجب ملاحظة أن نشاط الأوبرا ليس مقصورا فقط على الموسيقى والغناء ولكن كل أنواع الفنون. يوما ما حكى لى د. عبد الوهاب أنه وإن كان لا يحب الظهور فى (الكادر) مع فاتن حمامة أثناء تكريمها فى أى تظاهرة، إلا أنه عند تكريمه قبل أكثر من 10 سنوات فى المملكة المغربية، قرر أن يصطحبها معه، إلا أنه فوجئ بأن كل هؤلاء العلماء ومعهم فريق التمريض عندما استشعروا وجود فاتن بينهم صار التكريم يساوى فاتن. وكان الزوج المحب فى ذروة لحظات سعادته، وهو يرى فاتن تستحوذ على كل الاهتمام. هذا الرجل الذى خاصم طوال حياته الإعلام يستحق منا أن نودعه فى تلك المساحة والتى أيضا لن يقرأها!.