الخميس الماضي، وبينما تقف ندى ممدوح أمام شباك التذاكر بمحطة مترو كلية البنات، سمعت موظفي التذاكر يتهامسون عن رفع أسعارها، سألت المهندسة العشرينية عما إذا كان الأمر صحيحا، ليأتيها رد أحد الصرّافين “هتغلى بكرة الصبح.. الحقي حوشي كام واحدة”، ظنّت الشابة أنه يمزح، لكن ملامح الجدية على وجهه ألجمتها؛ اتخذت قرارا سريعا؛ اشترت 40 تذكرة مترو.
أعلنت، وزارة النقل، مساء الخميس، رفع أسعار تذاكر مترو الأنفاق، وتقسيم المحطات إلى 3 مناطق. وشمل الحد الأدنى لتذكرة المترو 3 جنيهات للمنطقة الأولى والمحددة من “محطة إلى 9 محطات”، و5 جنيهات للمنطقتين بمجموع “16 محطة”، و7 جنيهات للثلاث مناطق والتي تبدأ من “16 محطة فيما فوق”.
15 محطة تقطعها ندى يومياً من عملها لمحطة مترو البحوث، وتستقل مواصلة أخرى لمنطقة فيصل حيث تقطن. لم تكن ندى لتستطيع الحركة لولا المترو، رفع التذاكر قصم ظهرها، ولم تحتَج لتفكر كثيرا حتى تقرر شراء 40 تذكرة أخرى بمجرد وصولها محطة مترو البحوث.
“هو انا ينفع أخليهم واستعملهم ولا هدفع غرامة”، تكرر سؤال ندى لأكثر من صرّاف تذاكر وعامل بالمترو، كان الرد يأتيها واحدا “محدش هيعمل لك حاجة، خديهم ولو ممشيوش تعالي وهرجعهملك”، شعرت الفتاة فجأة وكأنها تمتلك ثروة، حتى تلك اللحظة كان عقلها يُكذب ما سيحدث “بس يوم الخميس بليل القرار طلع صح”.
حالة من الزحام تحدث داخل عقل ندى “بقيت أسمع أقوال متضاربة عن إن التذاكر القديمة مش شغالة”، دفعت الشابة مقابل التذاكر 160 جنيها “ومكنتش عايزاهم يضيعوا على مفيش”، لذلك قررت الخروج أمس “رغم إنه يوم أجازتي”، كي تستقل المترو.
تنفست الشابة الصعداء ما أن مرّت التذكرة على إحدى ماكينات محطة فيصل، لم يسألها أحد عن شيء، ولم يطالبوها بدفع غرامة كما سمعت، خفّت حدة انزعاجها قليلا “تقريبا انا كدة موفرة 400 جنيه في التذاكر”، غير أنها تحمل هم نفاد الكمية التي بحوزتها، إذ ستضطر لعمل اشتراك ربع سنوي “عشان أرخص شوية”، فيما تتمنّى ألا يتم إبطال العمل بتلك التذاكر حتى تستخدمها.
نصائح صرّافي التذاكر أنقذت ندى من أذى مُحقق، لكن حظ محمد البحيري، كان أقل كثيراً.
قبل ساعات من غلاء التذكرة، كان البحيري يحتفظ بتذكرتي مترو فقط “الخبر وقع علينا زي الصاعقة”، تكمن أزمة الأب الثلاثيني في عدم وجود بدائل للمترو، يستخدمه مرتين يوميا بسبب عمله في وظيفتين، يتحرك صباحا من حلمية الزيتون إلى محطة عين شمس، ثم من الأخيرة إلى محطة جمال عبد الناصر، ويعود أدراجه ليلا إلى حلمية الزيتون.
اعتاد البحيري إجراء حسبة شهرية لتذاكر المترو “كنت بدفع حوالي 8 جنيه في اليوم يعني 240 جنيه شهرياً”، لكن مع ارتفاع سعر التذكرة سيتعين عليه دفع ضعف المبلغ، بالإضافة للمواصلات الأخرى “واللي أكيد هتغلى هي كمان لما يرفعوا البنزين والسواقين يستغلونا”.
تذكرة واحدة قديمة يمتلكها البحيري الآن، يسخر قائلا “مش عايزها معايا.. هستغلها أحسن”، لا تبدو فكرة الاشتراك سديدة بالنسبة له “جرّبت قبل كدة لقتهم بيجمعوا الرحلات وبدفع حقها بنفس التمن يعني مفيش توفير”، وفيما يرثي لحاله، يضيف “فيه ناس حالتها أصعب كتير، دول المترو قسم ضهرهم فعلا”، استشف الشاب ذلك من وجوه المواطنين في المحطة “الناس ما بين حد بيكلم نفسه وحد بيتخانق مع الصرافين عشان مش مصدقين”.
تلك الحالة من التخبط عاناها وليد شعبان أيضا في محطة مترو البحوث صباح اليوم “انا مبقتش فاهم ايه اللي بيحصل”.. قالها والد الطفلين لنفسه، قبل أن يطمئن على وجود تذكرة قديمة في جيبه “كنت حاسس إني معايا كنز”، بيقين مر شعبان من المحطة “الحكومة لما غلت التذكرة مقالتش إن اللي معاه تذاكر قديمة مش هيستخدمها”، لكن سحابة السعادة اختفت سريعا، بعدما أدرك الموظف الثلاثيني أن تلك التذكرة كانت الأخيرة.
يقع مقر عمل شعبان في المهندسين، يقطع 11 محطة من طرة البلد إلى محطة جمال عبد الناصر “انا بقيت من فئة الخمسة جنيه”، يرددها بمرارة، حيث سيتكبد إنفاق 250 جنيها زائدا بشكل شهري “يعني انا كده هاصرف 450 جنيه مواصلات في الشهر”.
تنتاب شعبان حسرة شديدة، يتذكر مقر عمله القديم في المعادي “كنت بركب 3 محطات وساعات بروح بالعجلة”، فيما لا يجد بديلا الآن “كورنيش المعادي الصبح بيبقى واقف، لو ركبت من برة هوصل الشغل في ساعتين”، يتمنّى أن تخفف الحكومة القرار بزيادة في المرتبات “أو حتى يخلوا الأجازة الأسبوعية يومين، على الأقل نوفر في المشاوير شوية”، فيما لا يعرف بعد كيفية تدبير الشهر الحالي “اللي داخل فيه رمضان وعيد وبعديه عيد كبير ومدارس”، يجمع ويطرح الأرقام المتداخلة، يدوّن كل شيء، ويجد نفسه الخاسر دوماً.