الرئيسية / العام / المقالات / إبراهيم عيسى يكتب: المعركة في مكان آخر

إبراهيم عيسى يكتب: المعركة في مكان آخر

وائل غنيم، الشاب النبيل الذى أنشأ صفحة «كلنا خالد سعيد» التى كانت دعوتها مع جماعة «ستة أبريل» ليوم خمسة وعشرين يناير شرارة ثورة، أعلن عن تأييده لعبد المنعم أبو الفتوح، لكن موقفه لم ينجح فى إقناع والدة خالد سعيد نفسه بما ذهب إليه، فقد أعلنت أم الشهيد تأييدها لحمدين صباحى.

إبراهيم عيسى
إبراهيم عيسى

هذه مفارقة كاشفة.

 

كاشفة لإيه؟

 

سأقول لك، لكنك مثلى بالتأكيد تعرف شبابا رائعا يدعون لمرشح ما، ولكنهم بكل حماسهم وعصبيتهم وتعصبهم لهذا المرشح لا يفلحون فى إقناع والدهم ولا حتى إخوتهم أو خالهم -على اعتبار أن الخال والد- بالتصويت له (وآباء كثيرون كذلك قطعا لا يقدرون على إقناع أولادهم بدعم مرشح يفضله الأب).

 

ندخل على ما تكشفه مفارقة أن مؤسس صفحة الشهيد يمنح صوته لمرشح، ووالدة الشهيد نفسه تمنح صوتها لمرشح آخر!

 

نعم.. المعركة الانتخابية لا يمكن خوضها على صفحات «الفيس» و«التويتر» ولا فى مؤتمرات القاعات المغلقة والمفتوحة بهتافاتها الحارَّة وشعاراتها المخلصة!

 

لكن أخشى أن بعضنا يتصور أو يتصرف على أساس أن معركة الانتخابات الرئاسية يتم حسمها فى «التويتر». نفس الخطأ المأساوى الذى ارتكبته القوى الاحتجاجية وشبابها وناشطوها فى انتخابات مجلس الشعب، حيث استغرقوا جهدهم، إما فى تجاهل الانتخابات وإما فى الاندفاع نحو الاعتصامات والمظاهرات فكسب الإخوان والسلفيون الانتخابات، وظل حكم العسكر ولم يرحل الجنرالات!

 

المعركة معركة شوارع والشباب ينجح جدا فى إثارة معركة الشوارع الثورية أو الاحتجاجية.. ولكنه فشل بامتياز فى معركة الشوارع الانتخابية، كما حدث فى انتخابات مجلس الشعب الماضية، لكن يبدو أن شباب القوى الاحتجاجية اهتم أخيرا بالانتخابات، ولكن اهتمامه جاء فى الانتخابات الرئاسية، وهى بالمناسبة غير مهمة!

 

اهتم قطاع من شباب هذه القوى الاحتجاجية بانتخابات الرئاسة -والتى هى أقل أهمية بكثير دستوريا وعمليا من البرلمانية- فانخرط محموما فى الانتخابات على «الفيسبوك» و«التويتر» كأننا فى معركة استطلاعات رأى، وليست اقتراعا فى الصناديق، ولا أعرف مدى جدوى شبكات التواصل الاجتماعى فى إنجاح مرشحى الرئاسة على الأرض، ويجوز أن نكتشف لها دورا فى نتائج هذه الانتخابات مع إقبال الشباب على التصويت مثلا، لكن المؤكد أن الانتخابات لا تجرى على شاشة الكمبيوتر، والانتشاء الثورى على «التويتر» يرضى أصحابه، لكن لا يقود إلى أى إنجاز، فضلا عن أن شعبية الثورة نفسها والمرشحين باسمها أو المتمسحين بها أو المحسوبين على شبابها فى صناديق الانتخابات محل تساؤل مع احترامى لرضا الثوار عن أنفسهم، بالإضافة إلى أن أكبر عدد من المصوتين فى الانتخابات للمفارقة هو حزب الكنبة الذى نال تقريعا هائلا من شباب «الفيس» و«التويت» ونال شباب «الفيس» و«التويت» هجوما مروعا عليه من مكونات هذا الحزب بشرا وكنبا.. ومن ثم يبدو صعبا أن يستجيب حزب الكنبة لنداء «الفيس» و«التويت» لانتخاب مرشحهم، وإلا فإننا سنشهد أعظم عملية مصالحة فى التاريخ بين توم وجيرى (يبدو لى فى مئات أفلام الكرتون التى شاهدتها لتوم وجيرى أنهما يحبان بعضهما!).

 

الانتخابات تتم على الأرض وفى الشارع، ومن هنا فإن «الإخوان المسلمين» فى رأيى تستعيد عافيتها وقوتها فى الانتخابات الرئاسية، لأنها غير مستغرقة كثيرا فى الاستسلام للمنشور فى الإنترنت والمذاع فى البرامج ونتائج استطلاعات الرأى المضحكة والمتناقضة!

 

لاحظ كذلك أن الانتخابات ليست المؤتمرات الانتخابية للمرشحين فى الجامعات أو المحافظات، رغم ما بها من بهجة تريح المرشحين أو توترات تقلقهم، نعم يحتشد مؤيدوه ومهللوه والفضوليون وجمهور الزحمة والعائلات أو القبائل التى تؤدى واجبها لضيفها، بصرف النظر عن تأييدها أو عدمه، كما يأتى أحيانا الشباب المناصر لمرشح آخر للمناكدة والمكايدة والتعليم على المرشح المنافس، لكن المؤتمرات -على أهميتها فى الاستعراض الدعائى والتواصل الشخصى- تنتهى إلى دعم ناخبيك أكثر من جلب ناخبين جدد!

 

الانتخابات صراع يتطلب من اليوم إلى لحظة إعلان النتيجة نحو خمسين مليون جنيه لإنفاقها على أربعة وخمسين ألف صندوق اقتراع فى مصر كلها ومعركة تنظيم شديدة الإرهاق، فضلا عن التعامل مع خريطة مصر الانتخابية بعد الثورة، وهى ككل مصر مشوشة وضبابية ومرتبكة ومتقلبة وزئبقية وعكرة المزاج، ومن ثم يصبح يوم الاقتراع، بل وأيام الفرز فى منتهى الأهمية المفصولة غالبا عن واقع الإعلام من تليفزيون وجرائد ونت ومحمول!

 

الانتخابات حاجة تانية خالص!