الرئيسية / أهم الأخبار / السياسة / عباس الطرابيلي: من أختار رئيساً؟

عباس الطرابيلي: من أختار رئيساً؟

مصر كلها محتارة.. من تنتخب رئيساً، وكيف نحسن الاختيار حتي لا  يتكرر لمصر وبمصر ما حدث من بعض الرؤساء السابقين.. فقد بدأوا حكمهم «معقولين» جعلوا من البحر طحينة.. قالوا إنهم سوف يحولون مصر إلي جنة.. ولكن منهم من حولها إلي جنة له ولأسرته، وجعلها «جهنم» لكل المصريين.. فما الذي يضمن ان تتحول مصر إلي جنة حقيقية.. لكل الشعب، ولا تصبح كنزاً ليغرف منه الفاسدون..

الضمانة الوحيدة لذلك هي أن نحسن الاختيار..
علينا أولاً ألا تخدعنا أبداً العبارات الرنانة.. الفخمة.. الجزلة التي تهز الوجدان.. أو تدغدغ حواسنا كلمات من الدين الحنيف يستغل بها البعض تدين هذا الشعب كأن يقال مثلاً: لماذا اضطهد كل حكام مصر تنظيماً دينياً محدداً علي مدي 80 عاماً وطاردهم، ووضعهم في السجون وعلق قادتهم علي أعواد المشانق.. بينما كان منهم من يقول لا إله إلا الله..
<< وعلينا ثانياً أن نفسر كل ما يقول اي مرشح علي حدة، وهل هو صادق فيما يقول ويدعي أم يدعي كذباً وبهتاناً علي الناس، فما أكثر ما خدعنا، حتي من الثوار.. ويكفي أن ثورة يوليو جعلت كل المصريين أحراراً علي الورق.. بينما كانت السجون تمتلئ عن آخرها بالثوار الحقيقيين، وبالمعارضين الشرفاء.. وادعت الثورة انها جاءت لتحقق العدالة.. فلم نجد الا العدالة للثوار وحدهم.. ويكفي أنها جعلت هدف الديمقراطية هو في المركز الاخير من برنامج الثوار!
وحتي ثورة 19 التي انطلقت شعبيتها ضد الاحتلال والقصر الملكي اتحد عليها وضدها الاغنياء وسلبوها أعز ما تملك وهو انتماؤها للبسطاء.. فاستولوا علي الثورة ذاتها مرات بسبب الصراعات بين زعماء البلد.. ومرات عندما اجهضوا حتي المشروع الاقتصادي للنهضة.. فعاشت مصر 30 عاماً تحت الصراعات بين الشعب والقصر الملكي من جهة وبين الشعب وجيش الاحتلال من جهة اخري..
<< حقاً أنا محتار، وقد اتصل بي ابني الاكبر وهو استاذ بجامعة الامارات يسألنا ماذا أفعل يا أبي وبرنامج كل مرشح شديد الاغراء.. كلماته براقة تكفي لوضع مصر بين الدول العظمي، فماذا أفعل وسط سيل هذه البرامج وهذه الكلمات البراقة.. وقلت له: استفت قلبك.. جاء الوقت لكي تستقل برأيك وسط هذه السيل الرهيب.. وربما أنت في الخارج تري أفضل مما نري نحن الذين بالداخل.. وإياك أن تبطل صوتك لان صوتاً واحداً قد يدفع بأحدهم إلي كرسي الرئاسة.. أو يبعده عن حلبة السباق.. وقلت له: أنا نفسي محتار.. وربما أمامي عدة أيام لأحدد مصير صوتي، أما انت فليس امامك الا سويعات.. تشجع واختر من تراه الاصلح لك – يا ولدي – ولكل أبنائك.. فمصر هي لكم – وبكم – غداً، وربما أخذنا نصيبنا من الدنيا وضاع العمر يا ولدي في صراعات رهيبة عشتها منذ وعيت العمل السياسي وشاركت في آخر انتخابات برلمانية في يناير 1950.. ورأيت مصر تهان كثيراً.. وتهزم عسكرياً كثيراً في فلسطين 1948 وفي منطقة القناة عام 1956 ثم رأيت الهزيمة الكبري في يونيه 1967.. ومنهم لله الذين صنعوا فينا كل هذه الهزائم..
<< فهل أعطي صوتي لمن جاء لينتقم من الذين سجنوه ورفاقه لأنهم عارضوه سنوات طويلة.. أم انهم يسعون إلي السلطة لتنفيذ مخططهم لنهضة مصر، لما تقول برامجهم البراقة.. أم أخشي هدفهم الاستحواذ علي السلطة..
أم أنتخب الدبلوماسي المحنك الذي عرفته طويلاً منذ عرفني عليه صديقنا المشترك استاذنا انيس منصور رحمه الله، وكان هذا الدبلوماسي وقتها سفيراً لمصر في الهند.. وقبل أن يصبح وزيراً للخارجية بعض سنوات.. وهو بالقطع ذو خبرة ممتازة في أمور الحكم والسياسة.. وله علاقاته المتميزة عربياً واقليميا وعالمياً.. واسمه «يرن» في اذان الداخل والخارج وهو الذي اعطته -أمامي – القبائل العربية في كل مصر تأييدها ودعمها..
ام لا أبخل بصوتي علي هذا الطيار القديم الذي لم يكتفي بما تلقاه من علوم عسكرية حتي وصل إلي أعلي رتبة في هذا السلاح الحيوي الذي صنعت به اسرائيل كل انتصاراته.. بل واصل طلب العلم فدرس وسهر وذاكر حتي حصل علي درجة الدكتوراه في فرع ليس بالهين، بل هو من اكثر العلوم تعقيداً.. ولكنه فعلاً حصل علي الدكتوراه، وليس كمن يدعي ذلك أو حصل عليه بالمال من موسكو أو الكتلة الشرقية سابقاً.. ولكن يكفي هذا الفريق الطيار الدكتور انه نجح فيما عجز عنه غيره في ادارة هذا المرفق الحيوي: الطيران المدني كله – في كل مدن مصر من اسوان للاقصر الي شرم الشيخ إلي العريش.. وهو هنا يذكرني عندما اراد جمال عبد الناصر ان يعين رئيساً لوزراء مصر ذا خبرة ممتازة فأخذ يفاضل بين من نجح في ادارة قناة السويس منذ تأميم شركتها وهو المهندس محمود يونس.. وبين من نجح في بناء السد العالي كأشهر مشروع قومي في مصر، وهو المهندس صدقي سليمان.. فاختار من بني وهو صدقي سليمان.. ونحن الان نريد من يبني، كما بني هذا الفريق الطيار الدكتور الكثير من مطارات مصر..
<< أم أنتخب شاباً من الثوار الذين دخلوا السجن في عهود عديدة مثل الزميل حمدين صباحي الذي يراه البعض صغيراً في السن فأقول لهم: وهل كان جمال عبد الناصر كبيراً عندما صار رئيساً للجمهورية وعمره 38 عاماً.. أي هو كمرشح من الجيل الذي يعاني وعاش عمره كله يعاني ويواجه المشاكل.. وبالتالي هو أقدر علي حل مشاكل جيله، وما بعده من أجيال.. وهم يمثلون أغلبية السكان الان..
أم يا تري أعطي صوتي للنائب المشاغب المشاكس الذي دخل السجن مرات عديدة.. هذا العمالي البسيط الذي عاش معظم عمره في الاحياء الشعبية بالاسكندرية هو وزوجته التي كافحت معه .. هل اعطي صوتي لهذا النائب الذي يخشاه الحكام واسمه أبو العز الحريري..
<< أنا فعلا في حيرة حقيقية.. ولكنني قطعاً سوف أحسن الاختيار هذه المرة، فلم يعد في العمر بقية..
وسوف اختار من يقدر علي قيادة مصر نحو الخروج من هذا النفق المظلم.. لينطلق معنا نحو المستقبل الحقيقي..
<< ولن أخبركم من سوف أختار.. فأنتم معي سوف تحسنون الاختيار، تري من هو الأجدر برئاسة مصر؟